قصائد مختارة
هدية لقاء في حيفا
"إلى شعراء المقاومة في الأرض المحتلة منذ عشرين عاماً .. " (4 / 3 / 1968)
على أبوابِ يافا يا أحِبائي
وفي فوضى حُطامِ الدُّورِ ، بين الرَّدْمِ والشَّوْكِ
وقفْتُ وقلتُ للعينين :
يا عينين قِفا نبكِ
على أطلالِ مَنْ رحلوا وفاتوها
تُنادي مَنْ بناها الدارْ
وتَنعى مَنْ بناها الدارْ
وأنَّ القلبُ مُنسحقاً
وقال القلبُ :
(ما فَعَلَتْ بِكِ الأيامُ يا دارُ ؟
وأينَ القاطنونَ هُنا ؟
وهلْ جاءَتْكِ بعدَ النأي ، هل جاءَتْكِ أخبارُ ؟
هُنا كانوا ، هُنا حلموا
هُنا رَسموا مشاريعَ الغدِ الآتي
فأينَ الحُلْمُ والآتي ؟ وأيْنَ هُمُو ؟
وأيْنَ هُمُو ؟)
ولمْ ينطِقُ حُطامُ الدارْ
ولمْ ينطِقْ هُناك سوى غيابِهِمُو
وصمْت الصَّمْت والهِجرانْ
وكان هُناكَ جمعُ البومِ والأشباحِ
غريبَ الوجهِ واليدِ واللسانِ ، وكان
يُحوِّمُ في حواشيها
يمدُّ أُصُولَه فيها
وكانَ الآمِرَ الناهي
وكانَ ... وكانْ ...
وغُصَّ القلبُ بالأحزان
كان حمزة
واحداً من بلدتي كالآخرين
طيباً يأكل خبزه
بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبينْ
قال لي حين التقينا ذات يوم
وأنا أخبط في تيهِ الهزيمة :
اصمدي ، لا تضعفي يا بنةَ عمي
هذه الأرضُ التي تحصدها نارُ الجريمة
والتي تنكمشُ اليوم بحزنٍ وسكوتْ
هذه الأرض سيبقى
قلبُها المغدورُ حياً لا يموتْ
البداية
تموز والشيء الآخر
على جسد الأرض راحت أنامله الخضر تنقل خطواتها
تقيم طقوس الحياة، تجوس خلال التضاريس، تتلو صلاة المطر
وتستنبت الزرع ريان من شريان الحجر
تبدل كل القوانين، تلغي أوان الفصول-
تغير في الأرض دوراتها
(أخبئ ما يثقل النفس، آه.... يطاردني الظل يعتم وجه الحلم
أخبئ ما يثقل النفس، من أين يأتي العذاب؟ من أي كهف يجيء الألم؟)
على جسد الأرض راحت تمر أنامله الغضة السندسية
طيورا تحط هنا أو هناك، فكل المساحات أوطانها
وراحت أنامله السندسية تلقي تمائمها فتذوب جبال الجليد
ومن آخر الأفق تطلع شمس الغروب بصبح جديد
ترد الدماء إلى جسد الأرض، ترجع أعيادها
(أخبئ ما يثقل النفس، تعصف ريح الكوابيس... أسقط
بين الرؤى والحقيقة
يطاردني الظل آه .. يضرج قلبي السؤال الجريح،
يسد عليه طريقه!)
وصارت خطوط يديه جداول
تذوب في جسد الأرض عطر البساتين تسقي تراب الخمائل
وصارت خطوط يديه انبهار الفصول، انبهار أساطير بابل
عشقناه تموز!
عشقناه تموز ينفض تل الرماد ويمنح ليلاتنا
شمسه الذهبيه
(أخبئ ما يثقل النفس، شجرة حزني على ضفة الحلم تنمو وتكبر
يطاردني الظل، آه... لماذا
لماذا يفتح في ظهر تموز جرح ويلمع خنجر؟!)
البداية
الكوكب الأرضي
هذا الكوكب الأرضي
لو بيدي
لو أني أقْدر أن أقْلِبه هذا الكوكبْ
لو أني أملك أن أملأه هذا الكوكبْ
ببذور الحبّْ
فتعرِّش في كلّ الدنيا
أشجار الحبّْ
ويصير الحب هو الدنيا
ويصير الحب هو الدربْ
لو بيدي أن أحميه هذا الكوكبْ
من شر خيار صعبْ
لو أني أملك لو بيدي
أن أرفع عن هذا الكوكبْ
كابوس الحربْ
أن أفرغه من كل شرور الأرضْ
أن أقتلِعَ جذورَ البُغضْ
أن أُقصي قابيلَ الثعلبْ
أقصيه إلى أبعد كوكبْ
أن أغسل بالماء الصافي
إخْوة يوسفْ
وأطهّرُ أعماق الإخوة
من دنسِ الشرْ
لو بيدي
أن أمسح عن هذا الكوكبْ
بصمات الفقرْ
وأحرّره من أسْر القهرْ
لو بيدي
أن أجتثّ شروش الظلمْ
وأجفّف في هذا الكوكبْ
أنهار الدمْ
لو أني أملك لو بيدي
أن أرفع للإنسان المتعبْ
في درب الحيرة والأحزان ْ
قنديل رخاء واطمئنانْ
أن أمنحه العيش الآمِنْ
لكن ما بيدي شيْء
إلاّ لكنْ
البداية
رجاءً لا تمُتْ
يا أخا الروحِ رجاءً لا تمُتْ
أو فخُذْ روحي معك
ليتني أحمِلُ عن قلبكَ ما
يوجع قلبك
لو ترى كم رفع القلبُ إلى اللّه
صلاة القلب كي يشفي بروح منه جُرحَك
يا أخا الروح رجاءً لا تمُتْ
نقطةُ الضوءِ بعمري أنت
نبراسي المضيء
ابْقَ لي أرجوك
ابْقَ الضوءَ والنكهةَ والمعنَى
وأحلى صفحةٍ في سِفْر شِعري
وّجَت آخرَ عمري
حلمٌ
حلمتُ...
رأيت قصائد قلبي التي لم أقلها
تموت واحدة بعد أخرى
حزنتُ... وقمت إليها
ألملمها جثثًا ورفاتْ
بكيت عليها وغسلّتها بالدموعْ
وسلّمتها لمهب الرياحْ
رجعت بخفي حنينْ
بكفين فارغتين
وظل شرود حزين يدبّ على مقلتيّ
وذكرى
بنيتُ لها معبدًا يتهجدُ قلبي لديه
ويضئُ الشموع
لذكرى قصائد ماتتْ
وليس لها من رجوعْ
البداية
أنشودةٌ للحبِّ
كان وراء البنت الطفلةِ
عشرةُ أعوامْ
حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:
حنانك خذني
كن لي أنت الأبَ
كن لي الأمّ
وكن لي الأهلْ
وحدي أنا
لا شيء أنا
أنا ظلّ
وحدي في كون مهجور
فيه الحبُّ تجمّدْ
فيه الحسُّ تبلّدْ
وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو
للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ
للنطّ على الحبلِ
وللغوصِ بماءِ البركةِ
للّهو مع الأطفالْ
لتسلّق أشجارِ الدارْ
القمعُ يعذبني
والسطوة ترهبني
والجسم سقيمٌ منهار
أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ
أهتفُ
أرجُو
أتوسّل:
ظلّلني تحت جناحيكَ
أغثني
خذني من عشرة أعوامِي
من ظلمةِ أيامي خذنِي
وسّعْ لي حضنَك دَعْني
أتوسَّدُ صدرَك امنحني
أمنًا وسلام
يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ
وخلاص المنبوذين المحرومينْ
خذني!
خذني!
يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ
وراءَ العامِ وراءَ العامِ
الطفلةُ تكبَرُ والأنثى
وردةُ بستانْ
تتفتّح والأطيارُ تطوفْ
وتحوم رفوفًا حول الوردةِ
بعد رفوفْ
الزّمنُ الصعْبُ يصالحها
ومجالي الكوْن تضاحكها
والحبُّ يفيضُ عليها
من كلّ جهات الدنيا
ويطوّقها بتمائمه
ويباركها بشعائِرِه
ويساقيها من كوثرِهِ
ما أحلى الحبّ وما أبهاه!
الأنثى الوردةُ بعد سُراها
وتخبّطها في ليلِ متاههْ
تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ
تصير إلههْ
هالاتُ النورِ تتوّجُها
وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي
تُمطر موسيقى وقصائدْ
وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ
الضوءَ على أملٍ واعدْ
ما أحلى الحبّْ!
تتفتح فيه عيون القلبْ
ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ
فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ
ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا
تبلغُهُ الأفهامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
كونٌ مكتملٌ ومعافى
لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ
يتناسق فيه العمرُ ويمسي
إيقاعًا كونيّ الأنغامْ
تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ)
تزهو بحوارٍ موصولٍ
حتى في الصمتْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
يحيا بين يديْه رميمْ
تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ
فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ
بدقّاتِ القلبِ المبهورْ
لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا
بتوالي الأشهرِ والأعوامْ
ما أحلى الحبّْ!
البداية
إلى أين ؟
إلى أين تنأين عن جاذبية شيءٍ مقدّرْ
يشدك قسرًا إليه?
رويدك مَهْمَا تشبثت أنت بذيل القرار
ما من مفرْ
بأي جناحين أنت تطيرين هاربة منه
طيري كما شئت نحو أقاصي المدى
جناحاك من طينةِ الشمعِ الشمسُ
ملء الأقاصي وما من مفرْ
البداية
مع مروج
هذي فتاتك يا مروج ، فهل عرفت صدى خطاها
عادت اليك مع الربيع الحلو يا مثوى صباها
عادت اليك ولا رفيق على الدروب سوى رؤاها
كالأمس ، كالغد ، ثرة الأشواق . . مشبوبا هواها
هي يا مروج السفح مثلك ، إنها بنت الجبال
درجت على سفح الخضير ، على المنابع والظلال
روحا تفتح للطبيعة ، للطلاقة ، للجمال !
روحا شفيفاً رققته لطاقة الجو النضير
روحا رهيف الحس ، متقد العواطف والشعور
يهوى الجمال ، يعب لا يروى ، من الفيض الكبير
قد جئت ، ها انا ، فافتحي القلب الرحيب وعانقيني
قد جئت أسند ههنا رأسي الى الصدر الحنون
فهنا بحضنك أستريح ، أغيب ، أغرف في حنيني
وهنا ، هنا في جوُك المسحور ، جو الشاعريَة
كم رحت أستوحي الصفاء رؤى خيالاتي النقيَة
فتضمَني في نعمة الإلهام أجنحة خفيَة
كم رحت أرقب في انجذابي طلعة القمر الرهيف
متوحَداً ، تلقي الغيوم عليه هفهاف السجوفِ
أحلامه الفضية انتشرت على الأفق الشفيف
بيضاً ، كأحلامي ، نقيَاتٍ مجنحة الطيوف
كم رفَ قلبي يا مروج لكوكب الراعي الخفوقِ
سبق النجوم الى الطلوع وراح في الأفق السحيق
يصغي ، كما تصغين أنت معي ، الى الصمت العميق
ونذوب مندمجين ، متحدين بالكون الطليق !
أوَاه ، لو أفنى هنا في السفح ، في السفح المديد . .
في العشب ، في تلك الصخور البيض ، في الشفق البعيد.
في كوكب الراعي يشعُ هناك ، في القمر الوحيد . .
أواه ، لو أفنى ، كما أشتاق ، في كل الوجود !.
أوَاه ، لو أفنى هنا في السفح ، في السفح المديد . .
في العشب ، في تلك الصخور البيض ، في الشفق البعيد.
في كوكب الراعي يشعُ هناك ، في القمر الوحيد . .
أواه ، لو أفنى ، كما أشتاق ، في كل الوجود !.
===============================الجزء الخامس=======================