سئمت يا ربي حياة الألم
وزاد همي الفقر لما ألمّ
ربي انتشلني من وجودي فقد
جعلت في الدنيا وجودي عدم
***
لم يخل قلبي من دواعي الهموم
أو ترض نفسي عن وجودي الأليم
وكم تأدبت بأحداثه
ولم أزل في ليل جهل بهيم
***
الله قد قدر رزق العباد
فلا تؤمل نيل كل المراد
ولا تذق نفسك مرّ الأسى
فإنما أعمارنا للنفاد
***
إن الذي يعرف سر القضاء
يرى سواء سعده والشقاء
العيش فان فلندع أمره
أكان داء مسنا أم دواء
***
يا طالب الدنيا وقيت العثار
دع أمل الربح وخوف الخسار
واشرب عتيق الخمر فهي التي
تفك عن نفسك قيد الإسار
***
الكأس جسم روحه الساريه
هذي السلاف المزة الصافية
زجاجها قد شف حتى غدا
ماء حوى نيرانها الجارية
***
قد ردد الروض غناء الهزار
وارتاحت النفس لكأس العقار
تبسم النور فقم هاتها
نثأر من الأيام قبل الدمار
***
بي من جفاء الدهر همّ طويل
ومن شقاء العيش حزن دخيل
قلبي كدنّ الخمر يجري دما
ومقلتي بالدمع كأس تسيل
***
وكلما راقبت حال الزمن
رأيته يحرم أهل الفطن
سبحان ربي كلما لاح لي
نجم طوته ظلمات المحن
***
ماذا جنينا من متاع البقاء
ماذا لقينا في سبيل الفناء
هل تبصر العين دخان الألى
صاروا رمادا في أتون القضاء
***
تلك القصور الشاهقات البناء
منازل العز ومجلى السناء
قد نعب البوم على رسمها
يصيح أين المجد ، أين الثراء
***
هون على النفس احتمال الهموم
واغنم صفا العيش الذي لا يدوم
لو كانت الدنيا وفت للألى
راحوا لما جاءك دور النعيم
***
وإنما الدهر مذيق الكروب
نعيمه رهن بكف الخطوب
ولو درى الهم الذي لم يجيء
دنيا الأسى لاختار دار الغيوب
***
صبت علينا وابلات البلاء
كأننا أعداء هذا القضاء
بينا ترى الإبريق والكأس قد
تبادلا التقبيل حول الدماء
***
تفتح النوار صب المدام
واخلع ثياب الزهد بين الأنام
وهاتها من قبل سطو الردى
في مجلس ضم الطلى والغرام
***
حار الورى ما بين كفر ودين
وأمعنوا في الشك أو في اليقين
وسوف يدعوهم منادي الردى
يقول ليس الحق ما تسلكون
***
نصبت في الدنيا شراك الهوى
وقلت أجزي كل قلب غوى
أتنصب الفخ لصيدي وإن
وقعت فيه قلت عاص هوى
***
أنا الذي أبدعت من قدرتك
فعشت أرعى في حمى نعمتك
دعني الى الآثام حتى أرى
كيف يذوب الإثم في رحمتك
***
إن تفصل القطرة في بحرها
ففي مداه منتهى أمرها
تقاربت يا ربّ ما بيننا
مسافة البعد على قدرها
***
وإنما الدنيا خيال يزول
وأمرنا فيها حديث يطول
مشرقها بحر بعيد المدى
وفي مداه سيكون الأفول
***
جهلت يا نفسي سر الوجود
وغبت في غور القضاء البعيد
فصوري من نشوتي جنة
فربما أحرم دار الخلود
***
يا ورد أشبهت خدود الحسان
ويا طلي حاكيت ذوب الجمان
وأنت يا حظي تنكرت لي
وكنت من قبل الأخ المستعان
***
أولى بك العشق وحسو الشراب
وحنة الناي ونوح الرباب
فأطلق النفس ولا تتصل
بزخرف الدنيا الوشيك الذهاب
***
لا تشغل البال بأمر القدر
واسمع حديثي يا قصير النظر
تنح واجلس وادعا قانعا
وانظر الى لعب القضا بالبشر
***
يا قلب إن ألقيت ثوب العناء
غدوت روحا طاهرا في السماء
مقامك العرش ترى حطّة ً
أنك في الأرض أطلت البقاء
***
إن الذي يذبل زهر الربيع
ينثر أوراق وجود الجميع
والهم مثل السّم ترياقه
في الخمر فاشرب قدر ما تستطيع
***
زجاجة الخمر ونصف الرغيف
وما حوى ديوان شعر طريف
أحب لي إن كنت لي مؤنسا
في بلقع من كل ملك منيف
***
أتسمع الديك أطال الصياح
وقد بدى في الأفق نور الصباح
ما صاح إلا نادبا ليلة
ولّت من العمر السريع الرواح
***
علام تشقى في سبيل الألم
ما دمت تدري أنك ابن العدم
الدهر لا تجري مقاديره
بأمرنا فارض بما قد حكم
***
تحمل الداء كبير الرجاء
أنك يوما تنال الشفاء
واشكر على الفقر الذي إن يُرَدّ
أصبحت موفور الغنى والثراء
***
ليتك يا ربي تبيد الوجود
وتخلق الأكوان خلقا جديد
فتغفل اسمي أو تزيد الذي
قدرت لي في الرزق بين العبيد
***
وصلتني بالنفس منذ القدم
فكيف تفري شملنا الملتئم
وكنت ترعاني فماذا دعا
إلى اطراحي للأسى والألم
***
هات الطلى فالنفس عما قليل
توشك من فرط الأسى أن تسيل
عساي أنسى الهم في نشوتي
من بعد رشفي كأسها السلسبيل
***
يا ساقي الخمر أفق هاتها
ثم اسقني سائل ياقوتها
فإنها تبعث من روحها
نفسي وتحيي ميت لذاتها
***
صب من الإبريق صافي الدماء
واشرب وهات الكأس ذات النقاء
فليس بين الناس من ينطوي
على الذي في صدرها من صفاء
***
أين طهور النفس عفّ اليمين
وكيف كانت عيشة الصالحين
إن كنت لا تغفر ذنبي فما
فضلك يا ربِّ على العالمين
***
أبدعت فينا بينات العِبر
وصُغتنا يا ربي شتى الصور
فهل أطيق اليوم محو الذي
تركته في خلقتي من أثر
***
طبائع الأنفس ركّبتها
فكيف تجزي أنفسا صغتها
وكيف تفنى كاملا أو ترى
نقصا بنفس أنت صورتها
***
تخفي عن الناس سنا طلعتك
وكل ما في الكون من صنعتك
فأنت مُجلاه وأنت الذي
ترى بديع الصنع في آيتك
***
يا رب مهّد لي سبيل الرّشاد
واكتب لي الراحة بعد الجهاد
وأحي في نفسي المنى مثلما
يحيي موات الأرض صوب العهاد
***
لن يرجع المقدار فيما حكم
وحملك الهم يزيد الألم
ولو حزنت العمر لن ينمحي
ما خطه في اللوح مر القلم
***
ولّى الدجى قم هات كأس الشراب
كأنما الياقوت فيها مذاب
واحرق من العود بخورا وخذ
من غصنه المعطار واصنع رباب
***
الخمر توليك نعيم الخلود
ولذّة الدنيا وأنس الوجود
تحرق مثل النار لكنها
تجعل نار الحزن ماء برود
***
عيشي من أجل الطلى مستحيل
فإنها تشفي فؤادي العليل
ما أعذب الساقي إذا قال لي
تناول الكأس ورأسي يميل
***
أولى بهذا القلب أن يخفقا
وفي ضرام الحب أن يحرقا
ما أضيع اليوم الذي مرّ بي
من غير أن أهوى و أن أعشقا
***
سارع الى اللذات قبل المنون
فالعمر يطويه مرور السنين
ولست كالأشجار إن قلمت
فروعها عادت رطاب الغصون
***
إن الألى ذاقوا حياة الرّغد
وأنجز الدهر لهم ما وعد
قد عصف الموت بهم فانطووا
واحتضنوا تحت تراب الأبد
***
نفسي خلت من أنس تلك الصحاب
لما غدوا ثاوين تحت التراب
في مجلس العمر شربنا الطلى
فلم يفق منا صريع الشراب
***
ولست مهما عشت أخشى العدم
وإنما أخشى حياة الألم
أعارني الله حياتي وعن
حقوقه استرداد هذا النسم
***
قالوا امتنع عن شرب بنت الكروم
فإنها تورث نار الجحيم
ولذّتي في شربها ساعة
تعدل في عيني جنان النعيم
***
إن دارت الكأس ولذّ الشراب
فكن رضيّ النفس بين الصحاب
واشرب فما يجديك هجر الطلى
إن كان مقدورا عليك العذاب
***
شيئان في الدّنيا هما أفضل
في كل ما تنوي وما تعمل
لا تتخذ كل الورى صاحبا
ولا تنل من كل ما يؤكل
***
لو كان لي قدرة رب مجيد
خلقت هذا الكون خلقا جديد
يكون فيه غير دنيا الأسى
دنيا يعيش الحر فيها سعيد
***
إذا بلغت المجد قالوا زنيم
وإن لزمت الدار قالوا لئيم
فجانب الناس ولا تلتمس
معرفة تورث حمل الهموم
***
خير لي العشق وكأس المدام
من ادعاء الزهد والإحتشام
لو كانت النار لمثلي خلت
جنات عدن من جميع الأنام
***
عبدك عاص أين منك الرضاء
وقلبه داج فأين الضياء
إن كانت الجنّة مقصورة
على المطيعين فأين العطاء
***
أهل الحجا والفضل هذي العقول
قد حاولوا فهم القضاء الجليل
فحدثونا بعض أوهامهم
ثم احتواهم ليل نوم طويل
***
يا عالم الأسرار علم اليقين
يا كاشف الضر عن البائسين
يا قابل الأعذار فثنا الى
ظلك فاقبل توبة التائبين