في البدء كانت الهيمنة
الانتماء هو الارتباط بشيء ما يمكن أن يكون طائفة أو قبيلة أو وطن، والانتماء بمعناه الحقيقي يعني أن ننتمي فقط إلى الوطن، فالتقوقع في قبيلة/طائفة يعني الوقوف في مكان واحد طول العمر، مثل بركة الماء التي لا يصبّ فيها أي مجرى من الأنهار، فتأخذ كل الحشرات الضارّة هذا المكان ملجأً لها، وهكذا التعصّب الأعمى يجعل الإنسان حشرة ضارة في المجتمع، وهذا مرض يجب أن نتلقّح ضدّه بالانتماء للوطن لا القبيلة أو الطائفة.
الهيمنة هي سياسة تتبعها القوى الكبرى لضمان البقاء عن طريق تنمية قوّتها على حساب الدول الأخرى، وهذه سياسة ذات أنياب ومخالب لا ينقطع من حروفها نزيف الدماء كونها محكومة بالصراع الأبدي، وتعتمد في تحقيق أهدافها على الازدهار الاقتصادي وتغليف المصالح الأنانية بعباءة الخير العام و'حقوق الإنسان'، وهي في المقابل تشكّل كارثة للدول الضعيفة لأنها تفرّط في أسباب القوة، كحال الدول العربية التي فشلت مع 'إمكاناتها الضخمة' عبر تجربة خمسة عقود من التعاون والتقارب والوحدة، ولم تحصد إلا الضعف والتشتت وكأنها استمرأت لعبة هدر الإمكانات، وأثبتت عجزها عن الدفاع عن أراضيها وسيادتها وأصبح ينطبق عليها وصف الدول القابلة للاستعمار.
وقد استغلّت الولايات المتحدة الأمريكية تشتت العرب وعجزهم عن المواجهة، مع يقينهم بأنها تسعى لتحويل العالم العربي إلى محميّة أمريكية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وتجريدهم حتى من عاداتهم وتقاليدهم وتفكيرهم، من خلال عمليات إلهاء منظّمة تستهدف تسليتهم بالمسبحة على إيقاع جنود المارينز في المقاهي.
وما دام العرب يرددون نفس الهجائيات السياسية وعدم السعي الجاد لبناء قوة ذاتية فأنهم سيجدون أنفسهم في مواجهات مستمرة مع قوى أخرى على امتداد القرن الواحد والعشرين.إن مشكلة الدول العربية تكمن في ضعفها وليس في قوّة أعدائها، ولن تتمكن من بناء قوّتها في مواجهة الاستعمار الجديد إلا من خلال سياسة الحريّة والديمقراطية وبلورة المقاومة الشعبية التي أثبتت أنها المخزون الأقوى والأكثر تفوقا بما لا يقاس من الأسلحة المتطورة تقنيا .
لقد قاوم الشعب الفيتنامي وحاور ونجح في تحرير بلاده من أعتى قوة استعمارية، وشكّل الشعب الجزائري أمثولة للشعوب الطامحة للحرية والانعتاق، وتمكنت المقاومة الوطنية اللبنانية من تحقيق انتصار تاريخي على العدو الصهيوني دون اعتبار لميزان القوى المختل لصالح العدو، وما زالت المقاومة الشعبية الفلسطينية تتجدد مرحلة بعد أخرى مربكة اندفاع العدو الصهيوني بضرباتها الموجعة.
كما بمقدورنا أن نشكّل قوة تضاهي قوة الغرب وتتفوّق عليها من خلال تفعيل دور الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ونبذ الخلافات والفرقة وتوحيد الصف والتفكير في صنع السلاح ونصرة المظلوم والدفاع المشترك، وامتلاك قراراتنا واسترداد عقولنا المهاجرة وسحب أموالنا من مؤسساتهم والتخلي عن دعم اقتصادهم، فهل ننهض من الكبوة؟